المحتوى الرئيسى

لماذا اعتبرت واشنطن قرار مجلس الأمن في شأن غزة "غير ملزم"؟

منذ 4 اسبوع - 2024-03-29 [112] قراءة

عقب تمرير قرار من قبل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف "فوري" لإطلاق النار في غزة، وصفت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد القرار بأنه "غير ملزم". وأضافت "وكما قلت من قبل، فإننا نؤيد، بصورة كاملة، بعض الأهداف الحاسمة في هذا القرار غير الملزم. ونعتقد أن من المهم للمجلس أن يتحدث علناً ويوضح أن أي وقف لإطلاق النار يجب أن يأتي مع إطلاق جميع الرهائن".

وأوضحت غرينفيلد أن واشنطن امتنعت عن التصويت لأنه على رغم أخذ بعض مقترحاتها في الاعتبار، فإن النص لم يتضمن إدانة حركة "حماس"، وهو مطلب أميركي رئيس طوال أشهر من المفاوضات حول المحاولات الفاشلة السابقة لوقف إطلاق النار، لكن وصفها القرار بأنه "غير ملزم" يدفع بالتساؤل عما تقصده السفيرة الأميركية التي صوتت بالرفض في ثلاث مرات سابقة على قرارات تدعو إلى وقف إطلاق النار.

بالمثل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر مراراً، خلال مؤتمر صحافي، إن القرار غير ملزم، قبل أن يقر بأن التفاصيل الفنية له يحددها المحامون الدوليون، لكن سفير الصين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون رد بأن مثل هذه القرارات ملزمة الفعل. وقال نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق إن قرارات مجلس الأمن هي قانون دولي، "بالتالي فهي ملزمة مثل القانون الدولي".

ويطالب القرار بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان الذي انتهى نصفه "مما يؤدي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار"، كما يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، ورفع جميع العوائق أمام توفير مزيد من المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين في غزة. وتم إقرار النص، الذي قدمه الأعضاء الـ10 المنتخبون في مجلس الأمن المؤلف من 15 دولة، بتصويت 14 صوتاً لصالحه مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت، مما سمح بتمرير الإجراء. وكانت هذه المرة الثامنة التي يحاول فيها المجلس الاتفاق على قرار لوقف إطلاق النار.

لغة القرار

ويقول الخبراء إن حقيقة أن القرار ملزم أم لا هو أمر يعتمد على اللغة المستخدمة، إذ إن اللغة الغامضة تترك مجالاً للتفسير. وفي هذه الحالة، اختلفت الآراء حول ما إذا كان القرار يندرج تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة (اعتباره غير ملزم) أو الفصل السابع (ملزم).

وتقول مايا أونغار المعنية بمراقبة تطورات مجلس الأمن الدولي لدى مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة بحثية دولية في بروكسل، إن "الولايات المتحدة، التي تنتسب إلى تقليد قانوني يأخذ تفسيراً أضيق، تجادل إنه من دون استخدام كلمة (يقرر) أو استحضار الفصل السابع في النص، فإن القرار غير ملزم"، وهي الحجة التي استخدمها ممثل كوريا الجنوبية للتشكيك في الشرعية القانونية للقرار على أساس أنه لا يحوي كلمة "يقرر" بل "يطالب" ولم يتم اعتماده بموجب الفصل السابع.

ومع ذلك، تقول الدول الأعضاء الآخرون وعلماء القانون الدوليون إن هناك أسبقية قانونية لفكرة أن "الطلب هو ضمنياً قرار من المجلس".

ووفق أونغار فإن "جوهر القضية هو لغة القرار والطريقة التي تفسر بها الدول الأعضاء الميثاق بصورة مختلفة"، مضيفة "الولايات المتحدة تحاول السير على خط رفيع بين انتقاد إسرائيل ودعمها، فمن خلال القول إن القرار غير ملزم يبدو أن الولايات المتحدة قد حسبت أنها تستطيع الإدلاء ببيان علني من خلال عدم استخدام حق النقض من دون مواجهة ردود فعل إسرائيلية شديدة".

وأوضحت أستاذة القانون لدى المعهد التكنولوجي المستقل للمكسيك هانا بيركينكوتر، في مقال بأحد المواقع الألمانية، أنه، كما هو ثابت، يستطيع مجلس الأمن أن يتخذ قرارات ملزمة قانوناً، وبموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة فإن "أعضاء الأمم المتحدة يوافقون على قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها". والكلمة الحاسمة في هذا النص هي "القرار"، فإذا استخدم مجلس الأمن لغة تحذيرية، مثل التوصية باتخاذ تدابير، فلن ينشأ أي التزام قانوني، وإضافة إلى ذلك، يستخدم مجلس الأمن بصورة روتينية عبارة "التصرف بموجب الفصل السابع" عندما يقول على سبيل المثال "وتنشئ بعثات لحفظ السلام أو تسمح باستخدام القوة". لكن هل هذه العبارة ضرورية لإلزامية القرار قانونياً كما قال ممثل كوريا الجنوبية؟

تقول بيركينكوتر إنه ليس من الضروري اعتماد قرار بموجب الفصل السابع حتى يكون ملزماً قانوناً، إذ ثبت، منذ عقود عدة، أن القرارات التي لم يتم اعتمادها صراحة بموجب الفصل السابع يمكن أن تحوي التزامات ملزمة قانوناً، وهو ما أفتت به محكمة العدل الدولية في فتواها الشهيرة عام 1976 بأن جنوب أفريقيا ملزمة سحب وجودها من ناميبيا. وتضيف أنه ليس من الضروري استخدام كلمة "يقرر" بصورة صريحة لكي يكون القرار ملزماً قانوناً، ومع ذلك، فإن مجلس الأمن لا يقرر، عادة، وقفاً لإطلاق النار، فهو لا يستطيع أن يفرض وقف إطلاق النار على الوجود من خلال قرار، بل إنه يستخدم هذه اللغة، على سبيل المثال، ليقرر إنشاء بعثة لحفظ السلام أو نشر مراقبين.

هل تنفذ إسرائيل القرار؟

لكن حتى لو قرر الخبراء القانونيون أن القرار ملزم، يظل السؤال حول كيفية تنفيذه ومن يمكنه تنفيذه. ويقول يوسي ميكيلبيرج الزميل لدى برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز "تشاثام هاوس" البحثي في لندن، في تعليقات لـ"سي أن أن"، "الإجابة هي لا أحد"، بخاصة أن الدولة الوحيدة القادرة على تنفيذ القرار، الولايات المتحدة، سارعت إلى الإعلان عن أنه غير ملزم.

وذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أنه بالنظر إلى أن الولايات المتحدة يمكنها منع الأعضاء من محاولة فرض عقوبات ضد إسرائيل إذا لم تلتزم القرار، فإن تفسير واشنطن يحمل وزناً أكبر. وبناء على ذلك، فإن الأمر يوضح التأثير المحدود للغاية الذي تتمتع به الأمم المتحدة عندما تبت في الصراعات حول العالم.

اعتبرت إسرائيل أن القرار "مخز". وقال مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان "يجب أن يكون واضحاً للغاية أنه ما دامت (حماس) رفضت إطلاق الرهائن عبر القنوات الدبلوماسية، فلا توجد طريقة أخرى لتأمين عودتهم إلا من خلال عملية عسكرية".

وكتب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، على حسابه على منصة "إكس" إن بلاده لن تلتزم القرار قائلاً "دولة إسرائيل لن توقف إطلاق النار. سندمر (حماس) وسنواصل القتال حتى يعود آخر الرهائن إلى الوطن".

وقالت سفيرة إسرائيل السابقة لدى الأمم المتحدة والأستاذة الفخرية في كلية الحقوق بـ"الجامعة العبرية" غابرييلا شاليف إنه على الأرض لا يوجد تأثير فوري لقرار مجلس الأمن "ولكن بالطبع له تأثير أخلاقي وعام". ويخشى المراقبون أن يؤدي عدم التزام إسرائيل القرار وسط الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة إلى جعلها دولة منبوذة.

وفي حين دأب حلفاء إسرائيل الغربيون، بخاصة الولايات المتحدة، على حمايتها منذ اشتعال الحرب من الانتقادات داخل الأمم المتحدة وقدموا دعماً قوياً عقب الهجمات التي قادتها "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكن مع استمرار الحرب في غزة وارتفاع عدد القتلى بدأ هذا الدعم يتضاءل. وعلى رغم ثبات دعم الولايات المتحدة عسكرياً ودبلوماسياً فإنها بامتناعها عن التصويت الأخير في مجلس الأمن سعت إدارة الرئيس جو بايدن إلى اتخاذ طريق وسط أمام انتقادات داخلية ودولية متزايدة في شأن الوضع الإنساني في غزة. ويقول مراقبون "أصبح مسؤولو إدارة بايدن يعتقدون أن إسرائيل تخاطر بأن تصبح منبوذة دولياً إذا تفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة أو استمرت لفترة طويلة من الزمن."


المصدر: المنتصف نت

تابع أيضاً

عاجل